فصل: فصل شُرْبُ اللّبَنِ خَالِصًا وَمَشُوبًا بِالْمَاءِ وَمَنَافِعُهُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.مَفَاسِدُ النّفْخِ فِي الشّرَابِ:

وَأَمّا النّفْخُ فِي الشّرَابِ فَإِنّهُ يُكْسِبُهُ مِنْ فَمِ النّافِخِ رَائِحَةً كَرِيهَةً يُعَافُ لِأَجْلِهَا وَلَا سِيّمَا إنْ كَانَ مُتَغَيّرَ الْفَمِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَأَنْفَاسُ النّافِخِ تُخَالِطُهُ وَلِهَذَا جَمَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ النّهْيِ عَنْ التّنَفّسِ فِي الْإِنَاءِ وَالنّفْخِ فِيهِ فِي الْحَدِيثِ الّذِي رَوَاهُ التّرْمِذِيّ وَصَحّحَهُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُتَنَفّسَ فِي الْإِنَاءِ أَوْ يُنْفَخَ فِيهِ.

.كَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَنَفّسُ فِي الشّرْبِ وَلَا يَتَنَفّسُ فِي الْإِنَاءِ:

فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَصْنَعُونَ بِمَا فِي الصّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَتَنَفّسُ فِي الْإِنَاءِ ثَلَاثًا؟ قِيلَ نُقَابِلُهُ بِالْقَبُولِ وَالتّسْلِيمِ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوّلِ فَإِنّ مَعْنَاهُ أَنّهُ كَانَ يَتَنَفّسُ فِي شُرْبِهِ ثَلَاثًا وَذَكَرَ الْإِنَاءَ لِأَنّهُ آلَةُ الشّرْبِ وَهَذَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصّحِيحِ أَنّ إبْرَاهِيمَ ابْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَاتَ فِي الثّدْيِ أَيْ فِي مُدّةِ الرّضَاعِ.

.فصل شُرْبُ اللّبَنِ خَالِصًا وَمَشُوبًا بِالْمَاءِ وَمَنَافِعُهُ:

وَكَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَشْرَبُ اللّبَنَ خَالِصًا تَارَةً وَمَشُوبًا بِالْمَاءِ أُخْرَى. وَفِي شُرْبِ اللّبَنِ الْحُلْوِ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ الْحَارّةِ خَالِصًا وَمَشُوبًا نَفْعٌ عَظِيمٌ فِي حِفْظِ الصّحّةِ وَتَرْطِيبِ الْبَدَنِ وَرِيّ الْكَبِدِ وَلَا سِيّمَا اللّبَنَ الّذِي تَرْعَى دَوَابّهُ الشّيحَ وَالْقَيْصُومَ وَالْخُزَامَى أَشْبَهَهَا فَإِنّ لَبَنَهَا غِذَاءٌ مَعَ الْأَغْذِيَةِ وَشَرَابٌ مَعَ الْأَشْرِبَةِ وَدَوَاءٌ مَعَ الْأَدْوِيَةِ وَفِي جَامِعِ التّرْمِذِيّ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلْ اللّهُمّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ وَإِذَا سُقِيَ لَبَنًا فَلْيَقُلْ اللّهُمّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ فَإِنّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِئُ مِنْ الطّعَامِ وَالشّرَابِ إلّا اللّبَنُ. قَالَ التّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

.فصل الِانْتِبَاذُ فِي الْمَاءِ:

وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يُنْبَذُ لَهُ أَوّلَ اللّيْلِ وَيَشْرَبُهُ إذَا أَصْبَحَ يَوْمَهُ ذَلِكَ وَاللّيْلَةَ الّتِيتَجِيءُ وَالْغَدَ وَاللّيْلَةَ الْأُخْرَى وَالْغَدَ إلَى الْعَصْرِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ سَقَاهُ الْخَادِمَ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبّ. وَهَذَا النّبِيذُ هُوَ مَا يُطْرَحُ فِيهِ تَمْرٌ يُحَلّيهِ وَهُوَ يَدْخُلُ فِي الْغِذَاءِ وَالشّرَابِ وَلَهُ نَفْعٌ عَظِيمٌ فِي زِيَادَةِ الْقُوّةِ وَحِفْظِ الصّحّةِ وَلَمْ يَكُنْ يَشْرَبُهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ خَوْفًا مِنْ تَغَيّرِهِ إلَى الْإِسْكَارِ.

.فَصْلٌ فِي تَدْبِيرِهِ لِأَمْرِ الْمَلْبَسِ:

وَكَانَ مِنْ أَتَمّ الْهَدْيِ وَأَنْفَعِهِ لِلْبَدَنِ وَأَخَفّهِ عَلَيْهِ وَأَيْسَرِهِ لُبْسًا وَخَلْعًا وَكَانَ أَكْثَرُ لُبْسِهِ الْأَرْدِيَةَ وَالْأُزُرَ وَهِيَ أَخَفّ عَلَى الْبَدَنِ مِنْ غَيْرِهَا وَكَانَ يَلْبَسُ الْقَمِيصَ بَلْ كَانَ أَحَبّ الثّيَابِ إلَيْهِ. وَكَانَ هَدْيُهُ فِي لَبْسِهِ لِمَا يَلْبَسُهُ أَنْفَعَ شَيْءٍ لِلْبَدَنِ فَإِنّهُ لَمْ يَكُنْ يُطِيلُ أَكْمَامَهُ وَيُوَسّعُهَا بَلْ كَانَتْ كُمّ قَمِيصِهِ إلَى الرّسْغِ لَا خِفّةَ الْحَرَكَةِ وَالْبَطْشِ وَلَا تَقْصُرُ عَنْ هَذِهِ فَتَبْرُزُ لِلْحَرّ وَالْبَرْدِ وَكَانَ ذَيْلُ قَمِيصِهِ وَإِزَارِهِ إلَى أَنْصَافِ السّاقَيْنِ لَمْ يَتَجَاوَزْ الْكَعْبَيْنِ فَيُؤْذِي الْمَاشِيَ وَيُؤَوّدُهُ وَيَجْعَلُهُ كَالْمُقَيّدِ وَلَمْ يَقْصُرْ عَنْ عَضَلَةِ سَاقَيْهِ فَتَنْكَشِفُ وَيَتَأَذّى بِالْحَرّ وَالْبَرْدِ وَلَمْ تَكُنْ عِمَامَتُهُ بِالْكَبِيرَةِ الّتِي تُؤْذِي الرّأْسَ حَمْلُهَا وَيُضْعِفُهُ وَيَجْعَلُهُ عُرْضَةً لِلضّعْفِ وَالْآفَاتِ كَمَا يُشَاهَدُ مِنْ حَالِ أَصْحَابِهَا وَلَا بِالصّغِيرَةِ الّتِي تُقَصّرُ عَنْ وِقَايَةِ الرّأْسِ مِنْ الْحَرّ وَالْبَرْدِ بَلْ وَسَطًا بَيْنَ ذَلِكَ وَكَانَ يُدْخِلُهَا تَحْتَ حَنَكِهِ وَفِي ذَلِكَ فَوَائِدُ عَدِيدَةٌ فَإِنّهَا تَقِي الْعُنُقَ الْحَرّ وَالْبَرْدَ وَهُوَ أَثْبَتُ لَهَا وَلَا سِيّمَا عِنْدَ رُكُوبِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالْكَرّ وَالْفَرّ وَكَثِيرٌ مِنْ النّاسِ اتّخَذَ الْكَلَالِيبَ عِوَضًا عَنْ الْحَنَكِ وَيَا بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا فِي النّفْعِ وَالزّينَةِ وَأَنْتَ إذَا تَأَمّلْت هَذِهِ اللّبْسَةَ وَجَدْتَهَا مِنْ أَنْفَعِ اللّبْسَاتِ وَأَبْلَغِهَا فِي حِفْظِ صِحّةِ الْبَدَنِ وَقُوّتِهِ وَأَبْعَدِهَا مِنْ التّكَلّفِ وَالْمَشَقّةِ عَلَى الْبَدَنِ. وَكَانَ يَلْبَسُ الْخِفَافَ فِي السّفَرِ دَائِمًا أَوْ أَغْلَبَ أَحْوَالِهِ لِحَاجَةِ الرّجْلَيْنِ إلَى مَا يَقِيهِمَا مِنْ الْحَرّ وَالْبَرْدِ وَفِي الْحَضَرِ أَحْيَانًا. وَكَانَ أَحَبّ أَلْوَانِ الثّيَابِ إلَيْهِ الْبَيَاضَ وَالْحِبَرَةَ وَهِيَ الْبُرُودُ الْمُحَبّرَةُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ لَبْسُ الْأَحْمَرِ وَلَا الْأَسْوَدِ وَلَا الْمُصَبّغِ وَلَا الْمَصْقُولِ. وَأَمّا الْحُلّةُ الْحَمْرَاءُ الّتِي لَبِسَهَا فَهِيَ الرّدَاءُ الْيَمَانِيّ الّذِي فِيهِ سَوَادٌ وَحُمْرَةٌ وَبَيَاضٌ كَالْحُلّةِ الْخَضْرَاءِ فَقَدْ لَبِسَ هَذِهِ وَهَذِهِ وَقَدْ تَقَدّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ وَتَغْلِيطُ مَنْ زَعَمَ أَنّهُ لَبِسَ الْأَحْمَرَ الْقَانِيَ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ.

.فَصْلٌ فِي تَدْبِيرِهِ لِأَمْرِ الْمَسْكَنِ:

لَمّا عَلِمَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ وَأَنّ الدّنْيَا مَرْحَلَةُ مُسَافِرٍ يَنْزِلُ فِيهَا مُدّةَ عُمُرِهِ ثُمّ يَنْتَقِلُ عَنْهَا إلَى الْآخِرَةِ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ وَهَدْيِ أَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُ وَتَعْلِيَتِهَا وَزَخْرَفَتِهَا وَتَوْسِيعِهَا بَلْ كَانَتْ مِنْ أَحْسَنِ مَنَازِلِ الْمُسَافِرِ تَقِي الْحَرّ وَالْبَرْدَ وَتَسْتُرُ عَنْ الْعُيُونِ وَتَمْنَعُ مِنْ وُلُوجِ الدّوَابّ وَلَا يُخَافُ سُقُوطُهَا لِفَرْطِ ثِقَلِهَا وَلَا تُعَشّشُ فِيهَا الْهَوَامّ لِسِعَتِهَا وَلَا تَعْتَوِرُ عَلَيْهَا الْأَهْوِيَةُ وَالرّيَاحُ الْمُؤْذِيَةُ لِارْتِفَاعِهَا وَلَيْسَتْ تَحْتَ الْأَرْضِ فَتُؤْذِي سَاكِنَهَا وَلَا فِي غَايَةِ الِارْتِفَاعِ عَلَيْهَا بَلْ وَسَطٌ وَتِلْكَ أَعْدَلُ الْمَسَاكِنِ وَأَنْفَعُهَا وَأَقَلّهَا حَرّا وَبَرْدًا وَلَا تَضِيقُ عَنْ سَاكِنِهَا فَيَنْحَصِرُ وَلَا تَفْضُلُ عَنْهُ بِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ وَلَا فَائِدَةٍ فَتَأْوِي الْهَوَامّ فِي خُلُوّهَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا كُنُفٌ تُؤْذِي سَاكِنَهَا بِرَائِحَتِهَا. بَلْ رَائِحَتُهَا مِنْ أَطْيَبِ الرّوَائِحِ لِأَنّهُ كَانَ يُحِبّ الطّيبَ وَلَا يَزَالُ عِنْدَهُ وَرِيحُهُ هُوَ مِنْ أَطْيَبِ الرّائِحَةِ وَعَرَقُهُ مِنْ أَطْيَبِ الطّيبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الدّارِ كَنِيفٌ تَظْهَرُ رَائِحَتُهُ وَلَا رَيْبَ أَنّ هَذِهِ مِنْ أَعْدَلِ الْمَسَاكِنِ وَأَنْفَعِهَا وَأَوْفَقِهَا لِلْبَدَنِ وَحِفْظِ صِحّتِهِ.

.فَصْلٌ فِي تَدْبِيرِهِ لِأَمْرِ النّوْمِ وَالْيَقَظَةِ:

مَنْ تَدَبّرَ نَوْمَهُ وَيَقَظَتَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَدَهُ أَعْدَلَ نَوْمٍ وَأَنْفَعَهُ لِلْبَدَنِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْقُوَى فَإِنّهُ كَانَ يَنَامُ أَوّلَ اللّيْلِ وَيَسْتَيْقِظُ فِي أَوّلِ النّصْفِ الثّانِي فَيَقُومُ وَيَسْتَاكُ وَيَتَوَضّأُ وَيُصَلّي مَا كَتَبَ اللّهُ لَهُ فَيَأْخُذُ الْبَدَنُ وَالْأَعْضَاءُ وَالْقُوَى حَظّهَا مِنْ النّوْمِ وَالرّاحَةِ وَحَظّهَا مِنْ الرّيَاضَةِ مَعَ وُفُورِ الْأَجْرِ وَهَذَا غَايَةُ صَلَاحِ الْقَلْبِ وَالْبَدَنِ وَالدّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَلَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ مِنْ النّوْمِ فَوْقَ الْقَدْرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ وَلَا يَمْنَعُ نَفْسَهُ مِنْ الْقَدْرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ مِنْهُ وَكَانَ يَفْعَلُهُ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ فَيَنَامُ إذَا دَعَتْهُ الْحَاجَةُ إلَى النّوْمِ عَلَى شِقّهِ الْأَيْمَنِ ذَاكِرًا اللّهَ حَتّى تَغْلِبَهُ عَيْنَاهُ غَيْرَ مُمْتَلِئِ الْبَدَنِ مِنْ الطّعَامِ وَالشّرَابِ وَلَا مُبَاشِرٍ بِجَنْبِهِ الْأَرْضَ وَلَا مُتّخِذٍ لِلْفُرَشِ الْمُرْتَفِعَةِ بَلْ لَهُ ضِجَاعٌ مَنْ أُدْمٍ حَشْوُهُ لِيفٌ وَكَانَ يَضْطَجِعُ عَلَى الْوِسَادَةِ وَيَضَعُ يَدَهُ تَحْتَ خَدّهِ أَحْيَانًا.

.نَوْعَا النّوْمِ:

.النّوْمُ الطّبِيعِيّ:

وَنَحْنُ نَذْكُرُ فَصْلًا فِي النّوْمِ وَالنّافِعِ مِنْهُ وَالضّارّ فَنَقُولُ النّوْمُ حَالَةٌ لِلْبَدَنِ يَتْبَعُهَا غَوْرُ الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيّةِ وَالْقُوَى إلَى بَاطِنِ الْبَدَنِ لِطَلَبِ الرّاحَةِ وَهُوَ نَوْعَانِ طَبِيعِيّ وَغَيْرُ طَبِيعِيّ. فَالطّبِيعِيّ إمْسَاكُ الْقُوَى النّفْسَانِيّةِ عَنْ أَفْعَالِهَا وَهِيَ قُوَى الْحِسّ وَالْحَرَكَةِ الْإِرَادِيّةِ وَمَتَى أَمْسَكَتْ هَذِهِ الْقُوَى عَنْ تَحْرِيكِ الْبَدَنِ اسْتَرْخَى وَاجْتَمَعَتْ الرّطُوبَاتُ وَالْأَبْخِرَةُ الّتِي كَانَتْ تَتَحَلّلُ وَتَتَفَرّقُ بِالْحَرَكَاتِ وَالْيَقَظَةِ فِي الدّمَاغِ الّذِي هُوَ مَبْدَأُ هَذِهِ الْقُوَى فَيَتَخَدّرُ وَيَسْتَرْخِي وَذَلِكَ النّوْمُ الطّبِيعِيّ.

.النّوْمُ غَيْرُ الطّبِيعِيّ:

وَأَمّا النّوْمُ غَيْرُ الطّبِيعِيّ فَيَكُونُ لِعَرَضٍ أَوْ مَرَضٍ وَذَلِكَ بِأَنْ تَسْتَوْلِيَ الرّطُوبَاتُ عَلَى الدّمَاغِ اسْتِيلَاءً لَا تَقْدِرُ الْيَقَظَةُ عَلَى تَفْرِيقِهَا أَوْ تَصْعَدُ أَبْخِرَةٌ رَطْبَةٌ كَثِيرَةٌ كَمَا يَكُونُ عَقِيبَ الِامْتِلَاءِ مِنْ الطّعَامِ وَالشّرَابِ فَتُثْقِلُ الدّمَاغَ وَتُرْخِيهِ فَيَتَخَدّرُ وَيَقَعُ إمْسَاكُ الْقُوَى النّفْسَانِيّةِ عَنْ أَفْعَالِهَا فَيَكُونُ النّوْمُ.

.فَائِدَتَا النّوْم:

وَلِلنّوْمِ فَائِدَتَانِ جَلِيلَتَانِ إحْدَاهُمَا: سُكُونُ الْجَوَارِحِ وَرَاحَتُهَا مِمّا يَعْرِضُ لَهَا مِنْ التّعَبِ فَيُرِيحُ الْحَوَاسّ مِنْ نَصْبِ الْيَقَظَةِ وَيُزِيلُ الْإِعْيَاءَ وَالْكَلَالَ.
وَالثّانِيَةُ هَضْمُ الْغِذَاءِ وَنُضْجُ الْأَخْلَاطِ لِأَنّ الْحَرَارَةَ الْغَرِيزِيّةَ فِي وَقْتِ النّوْمِ تَغُورُ إلَى بَاطِنِ الْبَدَنِ فَتُعِينُ عَلَى ذَلِكَ وَلِهَذَا يَبْرُدُ ظَاهِرُهُ وَيَحْتَاجُ النّائِمُ إلَى فَضْلِ دِثَارٍ.

.أَنْفَعُ كَيْفِيّاتِ النّوْمِ:

وَأَنْفَعُ النّوْمِ أَنْ يَنَامَ عَلَى الشّقّ الْأَيْمَنِ لِيَسْتَقِرّ الطّعَامُ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ فِي الْمَعِدَةِ اسْتِقْرَارًا حَسَنًا فَإِنّ الْمَعِدَةَ أَمْيَلُ إلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ قَلِيلًا ثُمّ يَتَحَوّلُ إلَى الشّقّ الْأَيْسَرِ قَلِيلًا لِيُسْرِعَ الْهَضْمَ بِذَلِكَ لِاسْتِمَالَةِ الْمَعِدَةِ عَلَى الْكَبِدِ ثُمّ يَسْتَقِرّ نَوْمُهُ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ لِيَكُونَ الْغِذَاءُ أَسْرَعَ انْحِدَارًا عَنْ الْمَعِدَةِ فَيَكُونُ النّوْمُ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ بُدَاءَةَ نَوْمِهِ وَنِهَايَتَهُ وَكَثْرَةُ النّوْمِ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ مُضِرّ بِالْقَلْبِ بِسَبَبِ مَيْلِ الْأَعْضَاءِ إلَيْهِ فَتَنْصَبّ إلَيْهِ الْمَوَادّ.

.أَرْدَأُ نَوْعِيّاتِ النّوْمِ:

وَأَرْدَأُ النّوْمِ النّوْمُ عَلَى الظّهْرِ وَلَا يَضُرّ الِاسْتِلْقَاءُ عَلَيْهِ لِلرّاحَةِ مِنْ غَيْرِ نوم واردأ منه أن ينام منبطحا على وجهه وفي المسند وسُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ مَرّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى رَجُلٍ نَائِمٍ فِي الْمَسْجِدِ مُنْبَطِحٍ عَلَى وَجْهِهِ فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ وَقَالَ «قُمْ أَوْ اُقْعُدْ فَإِنّهَا نَوْمَةٌ جَهَنّمِيّةٌ» قَالَ إِبّقْرَاطُ فِي كِتَابِ التّقْدِمَةِ: وَأَمّا نَوْمُ الْمَرِيضِ عَلَى بَطْنِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عَادَتَهُ فِي صِحّتِهِ جَرَتْ بِذَلِكَ يَدُلّ عَلَى اخْتِلَاطِ عَقْلٍ وَعَلَى أَلَمٍ فِي نَوَاحِي الْبَطْنِ قَالَ الشّرّاحُ لِكِتَابِهِ لِأَنّهُ خَالَفَ الْعَادَةَ الْجَيّدَةَ إلَى هَيْئَةٍ رَدِيئَةٍ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ ظَاهِرٍ وَلَا بَاطِنٍ.

.مَنَافِعُ النّوْمِ الْمُعْتَدِلِ:

وَالنّوْمُ الْمُعْتَدِلُ مُمَكّنٌ لِلْقُوَى الطّبِيعِيّةِ مِنْ أَفْعَالِهَا مُرِيحٌ لِلْقُوّةِ النّفْسَانِيّةِ مُكْثِرٌ مِنْ جَوْهَرِ حَامِلِهَا حَتّى إنّهُ رُبّمَا عَادَ بِرَخَائِهِ مَانِعًا مِنْ تَحَلّلِ الْأَرْوَاحِ.

.مَفَاسِدُ نَوْمِ النّهَارِ وَبِخَاصّةٍ آخِرُهُ:

وَنَوْمُ النّهَارِ رَدِيءٌ يُورِثُ الْأَمْرَاضَ الرُطُوبِيّةَ وَالنّوَازِلَ وَيُفْسِدُ اللّوْنَ وَيُورِثُ الطّحَالَ وَيُرْخِي الْعَصَبَ وَيُكْسِلُ وَيُضْعِفُ الشّهْوَةَ إلّا فِي الصّيْفِ وَقْتَ الْهَاجِرَةِ وَأَرْدَؤُهُ نَوْمُ أَوّلِ النّهَارِ وَأَرْدَأُ مِنْهُ النّوْمُ آخِرَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ وَرَأَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبّاسٍ ابْنًا لَهُ نَائِمًا نَوْمَةَ الصّبْحَةِ فَقَالَ لَهُ قُمْ أَتَنَامُ فِي السّاعَةِ الّتِي تُقَسّمُ فِيهَا الْأَرْزَاق؟ وَقِيلَ نَوْمُ النّهَارِ ثَلَاثَةٌ خُلُقٌ وَحُرَقٌ وَحُمْقٌ. فَالْخُلُقُ نَوْمَةُ الْهَاجِرَةِ وَهِيَ خُلُقُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وَالْحُرَقُ نَوْمَةُ الضّحَى تَشْغَلُ عَنْ أَمْرِ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَالْحُمْقُ نَوْمَةُ الْعَصْرِ. قَالَ بَعْضُ السّلَفِ مَنْ نَامَ بَعْدَ يَلُومَن إلّا نَفْسَهُ. وَقَالَ الشّاعِرُ:
أَلَا إنّ نَوْمَاتِ الضّحَى تُورِثُ الْفَتَى ** خَبَالًا وَنَوْمَاتُ الْعُصَيْرِ جُنُونُ

.مَفَاسِدُ نَوْمِ الصّبْحَةِ:

وَنَوْمُ الصّبْحَةِ يَمْنَعُ الرّزْقَ لِأَنّ ذَلِكَ وَقْتٌ تَطْلُبُ فِيهِ الْخَلِيقَةُ أَرْزَاقَهَا وَهُوَ وَقْتُ قِسْمَةِ الْأَرْزَاقِ فَنَوْمُهُ حِرْمَانٌ إلّا لِعَارِضٍ أَوْ ضَرُورَةٍ وَهُوَ مُضِرّ جِدّا بِالْبَدَنِ لِإِرْخَائِهِ الْبَدَنَ وَإِفْسَادِهِ لِلْفَضَلَاتِ الّتِي يَنْبَغِي تَحْلِيلُهَا بِالرّيَاضَةِ فَيُحْدِثُ تَكَسّرًا وَعِيّا وَضَعْفًا. وَإِنْ كَانَ قَبْلَ التّبَرّزِ وَالْحَرَكَةِ وَالرّيَاضَةِ وَإِشْغَالِ الْمَعِدَةِ بِشَيْءٍ فَذَلِكَ الدّاءُ الْعُضَالُ الْمُوَلّدُ لِأَنْوَاعٍ مِنْ الْأَدْوَاءِ.

.مَفَاسِدُ النّوْمِ فِي الشّمْسِ أَوْ بَعْضِهِ فِي الشّمْسِ:

وَالنّوْمُ فِي الشّمْسِ يُثِيرُ الدّاءَ الدّفِينَ وَنَوْمُ الْإِنْسَانِ بَعْضَهُ فِي الشّمْسِ وَبَعْضَهُ فِي الظّلّ رَدِيءٌ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الشّمْسِ فَقَلَصَ عَنْهُ الظّلّ فَصَارَ بَعْضُهُ فِي الشّمْسِ وَبَعْضُهُ فِي الظّلّ فَلْيَقُمْ» وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحَصِيبِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهَى أَنْ يَقْعُدَ الرّجُلُ بَيْنَ الظّلّ وَالشّمْسِ وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى مَنْعِ النّوْمِ بَيْنَهُمَا. وَفِي الصّحِيحَيْنِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ: «إذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضّأْ وُضُوءَك لِلصّلَاةِ ثُمّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقّكَ الْأَيْمَنِ ثُمّ قُلْ اللّهُمّ إنّي أَسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْك وَوَجّهْتُ وَجْهِي إلَيْك وَفَوّضْتُ أَمْرِي إلَيْك وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إلَيْك رَغْبَةً وَرَهْبَةً إلَيْك لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْك إلّا إلَيْك آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الّذِي أَنْزَلْت وَنَبِيّكَ الّذِي أَرْسَلْت وَاجْعَلْهُنّ آخِرَ كَلَامِك فَإِنْ مُتّ مِنْ لَيْلَتِك مُتّ عَلَى الْفِطْرَةِ». وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ عَنْ عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ إذَا صَلّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ- يَعْنِي سُنّتَهَا- اضْطَجَعَ عَلَى شِقّهِ الْأَيْمَنِ.

.الْحِكْمَةُ مِنْ النّوْمِ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ:

وَقَدْ قِيلَ إنّ الْحِكْمَةَ فِي النّوْمِ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَنْ لَا يَسْتَغْرِقَ النّائِمُ فِي نَوْمِهِ لِأَنّ الْقَلْبَ فِيهِ مَيْلٌ إلَى جِهَةِ الْيَسَارِ فَإِذَا نَامَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ طَلَبَ الْقَلْبُ مُسْتَقَرّهُ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْ اسْتِقْرَارِ النّائِمِ وَاسْتِثْقَالِهِ فِي نَوْمِهِ بِخِلَافِ قَرَارِهِ فِي النّوْمِ عَلَى الْيَسَارِ فَإِنّهُ مُسْتَقَرّهُ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ الدّعَةُ التّامّةُ فَيَسْتَغْرِقُ الْإِنْسَانُ فِي نَوْمِهِ وَيَسْتَثْقِلُ فَيَفُوتُهُ مَصَالِحُ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ.

.فَوَائِدُ الدّعَاءِ قَبْلَ النّوْمِ:

وَلَمّا كَانَ النّائِمُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيّتِ وَالنّوْمُ أَخُو الْمَوْتِ- وَلِهَذَا يَسْتَحِيلُ عَلَى الْحَيّ الّذِي لَا يَمُوتُ وَأَهْلُ الْجَنّةِ لَا يَنَامُونَ فِيهَا- كَانَ النّائِمُ مُحْتَاجًا إلَى مَنْ يَحْرُسُ نَفْسَهُ وَيَحْفَظُهَا مِمّا يَعْرِضُ لَهَا مِنْ الْآفَاتِ وَيَحْرُسُ بَدَنَهُ أَيْضًا مِنْ طَوَارِقِ الْآفَاتِ وَكَانَ رَبّهُ وَفَاطِرُهُ تَعَالَى هُوَ الْمُتَوَلّيَ لِذَلِكَ وَحْدَهُ. عَلّمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّائِمَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَاتِ التّفْوِيضِ وَالِالْتِجَاءِ وَالرّغْبَةِ وَالرّهْبَةِ لِيَسْتَدْعِيَ بِهَا كَمَالَ حِفْظِ اللّهِ لَهُ وَحِرَاسَتِهِ لِنَفْسِهِ وَبَدَنِهِ وَأَرْشَدَهُ مَعَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَسْتَذْكِرَ الْإِيمَانَ وَيَنَامَ عَلَيْهِ وَيَجْعَلَ التّكَلّمَ بِهِ آخِرَ كَلَامِهِ فَإِنّهُ رُبّمَا تَوَفّاهُ اللّهُ فِي مَنَامِهِ فَإِذَا كَانَ الْإِيمَانُ آخِرَ كَلَامِهِ دَخَلَ الْجَنّةَ فَتَضَمّنَ هَذَا الْهَدْيُ فِي الْمَنَامِ مَصَالِحَ الْقَلْبِ وَالْبَدَنِ وَالرّوحِ فِي النّوْمِ وَالْيَقَظَةِ وَالدّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَصَلَوَاتُ اللّهِ وَسَلَامُهُ عَلَى مَنْ نَالَتْ بِهِ أُمّتُهُ كُلّ خَيْرٍ. أَسْلَمْت نَفَسِي إلَيْك أَيْ جَعَلْتهَا مُسَلّمَةً لَك تَسْلِيمَ الْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ نَفْسَهُ إلَى سَيّدِهِ وَمَالِكِهِ. وَتَوْجِيهٌ وَجّهَهُ إلَيْهِ يَتَضَمّنُ إقْبَالَهُ بِالْكُلّيّةِ عَلَى رَبّهِ وَإِخْلَاصَ الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ لَهُ وَإِقْرَارَهُ بِالْخُضُوعِ وَالذّلّ وَالِانْقِيَادِ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ حَاجّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتّبَعَنِ} [سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ الْآيَةِ 20]. وَذَكَرَ الْوَجْهَ إذْ هُوَ أَشْرَفُ مَا فِي الْإِنْسَانِ وَمَجْمَعُ الْحَوَاسّ وَأَيْضًا فَفِيهِ مَعْنَى التّوَجّهِ وَالْقَصْدِ مِنْ قَوْلِهِ:
أَسْتَغْفِرُ اللّهَ ذَنْبًا لَسْتُ مُحْصِيَهُ ** رَبّ الْعِبَادِ إلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ

وَتَفْوِيضُ الْأَمْرِ إلَيْهِ رَدّهُ إلَى اللّهِ سُبْحَانَهُ وَذَلِكَ يُوجِبُ سُكُونَ الْقَلْبِ وَطُمَأْنِينَتَهُ وَالرّضَى بِمَا يَقْضِيهِ وَيَخْتَارُهُ لَهُ مِمّا يُحِبّهُ وَيَرْضَاهُ وَالتّفْوِيضُ مِنْ أَشْرَفِ مَقَامَاتِ الْعُبُودِيّةِ وَلَا عِلّةَ فِيهِ وَهُوَ مِنْ مَقَامَاتِ الْخَاصّةِ خِلَافًا لِزَاعِمِي خِلَافِ ذَلِكَ. وَإِلْجَاءُ الظّهْرِ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ يَتَضَمّنُ قُوّةَ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ وَالثّقَةَ بِهِ وَالسّكُونَ إلَيْهِ وَالتّوَكّلَ عَلَيْهِ فَإِنّ مَنْ أَسْنَدَ ظَهْرَهُ إلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ لَمْ يَخَفْ السّقُوطَ. وَلَمّا كَانَ لِلْقَلْبِ قُوّتَانِ قُوّةُ الطّلَبِ وَهِيَ الرّغْبَةُ وَقُوّةُ الْهَرَبِ وَهِيَ الرّهْبَةُ وَكَانَ الْعَبْدُ طَالِبًا لِمَصَالِحِهِ هَارِبًا مِنْ مَضَارّهِ جَمَعَ الْأَمْرَيْنِ فِي هَذَا التّفْوِيضِ وَالتّوَجّهِ فَقَالَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إلَيْك ثُمّ أَثْنَى عَلَى رَبّهِ بِأَنّهُ لَا مَلْجَأَ لِلْعَبْدِ سِوَاهُ وَلَا مَنْجَا لَهُ مِنْهُ غَيْرُهُ فَهُوَ الّذِي يَلْجَأُ إلَيْهِ الْعَبْدُ لِيُنَجّيَهُ مِنْ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِك وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِك وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ فَهُوَ سُبْحَانَهُ الّذِي يُعِيذُ عَبْدَهُ وَيُنَجّيهِ مِنْ بَأْسِهِ الّذِي هُوَ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ الْإِعَانَةُ وَمِنْهُ مَا يَطْلُبُ النّجَاةَ مِنْهُ وَإِلَيْهِ الِالْتِجَاءُ فِي النّجَاةِ فَهُوَ الّذِي يُلْجَأُ إلَيْهِ فِي أَنْ يُنْجِيَ مِمّا مِنْهُ وَيُسْتَعَاذُ بِهِ مِمّا مِنْهُ فَهُوَ رَبّ كُلّ شَيْءٍ وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ إلّا بِمَشِيئَتِهِ {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلّا هُوَ} [سُورَةِ الْأَنْعَامِ الْآيَةِ 17] {قُلْ مَنْ ذَا الّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} [سُورَةِ الْأَحْزَابِ الْآيَةِ 17] ثُمّ خَتَمَ الدّعَاءَ بِالْإِقْرَارِ بِالْإِيمَانِ بِكِتَابِهِ وَرَسُولِهِ الّذِي هُوَ مَلَاكُ النّجَاةِ وَالْفَوْزِ فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَهَذَا هَدْيُهُ فِي نَوْمِهِ:
لَوْ لَمْ يَقُلْ إنّي رَسُولٌ لَكَا ** نَ شَاهِدٌ فِي هَدْيِهِ يَنْطِقُ